فصل: حوادث سنة ثمان ومائتين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


  ذكر ما كان بالأندلس

في هذه السنة وفي هذه السنة وقع عبد الرحمن بن الحكم صاحب الأندلس بجند البصراة وأهلها وهي الوقعة المعروفة بوقعة بالس‏.‏

وكان سببها أن الحكم كان قد بلغه عن عامل اسمه ربيع أنه ظلم الأبناء أهل الذمة فقبض عليه وصلبه قبل وفاته فلما توفي وولي ابنه عبد الرحمن سمع الناس بصلب ربيع فأقبلوا إلى قرطبة من النواحي يطلبون الأموال التي كان ظلمهم بها ظنا بها ظنًا منهم أنها ترد إليهم وكان أهل إلبيرة أكثرهم طلبًا وإلحاحًا فيه وتألبوا فبعث إليهم عبد الرحمن من يفرقهم ويسكتهم فلم يقبلوا ودفعوا ن أتاهم فخرج إليهم جمع من الجند وأصحاب عبد الرحمن فقاتلوهم فانهزم جند إلبيرة ومن معهم وقتلوا قتلًا ذريعا ونجا الباقون منهزمين ثم طلبوا بعد ذلك فقتلوا كثيرًا منهم‏.‏

وفيها ثارت بمدينة تدمير فتنة من المضرية واليمانية فاقتتلوا بلورقة وكان بينهم وقعة تعرف بيوم المضارة قتل منهم ثلاثة آلاف رجل ودامت الحرب بينهم سبع سنين فوكل بكفهم ومنعهم يحيى بن عبد الله بن خالد وسيره في جميع الجيش فكانوا إذا أحسوا بقرب يحيى تفرقوا وتركوا القتال وإذا عاد عنهم رجعوا إلى الفتنة والقتال حتى عيي أمرهم‏.‏

وفيها كان بالأندلس مجاعة شديدة ذهب فيها خلق كثير وبلغ المد في بعض البلاد ثلاثين دينارًا‏.‏

تدمير بالتاء فوقها نقطتان والدال المهملة والياء تحتها نقطتان ثم راء‏.‏

وفيها غلا السعر بالعراق حتى بلغ القفيز من الحنطة بالهاروني أربعين درهمًا إلى الخمسين‏.‏

وفيها ولي محمد بن حفص طبرستان والرويان ودنباوند وحج بالناس أبوعيسى بن الرشيد‏.‏

وفيها أمر المأمون السيد بن أنس والي الموصل بقصد بني شيبان وغيرهم من العرب لإفسادهم في البلاد فسار إليهم وكبسهم بالدسكرة فقتلهم ونهب أموالهم وعاد‏.‏

وفيها توفي وهب بن جرير الفقيه وعمر بن حبيب العدوي القاضي وعبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد وعبد العزيز بن أبان القرشي قاضي واسط وجعفر بن عون بن جعفر بن عمروبن حريث المخزومي الفقيه وبشر بن عمر الزاهد الفقيه وكثير بن هشام وأزهر بن سعيد السمان وأبوالنضر هشام بن القاسم الكناني‏.‏

وفيها توفي محمد بن عمر بن واقد الواقدي وكان عمره ثمانيًا وسبعين سنة وكان عالمًا بالمغازي واختلاف العلماء وكان يضعف في الحديث‏.‏

وفيها توفي محمد بن أبي رجاء القاضي وهومن أصحاب أبي يوسف صاحب أبي حنيفة‏.‏

وفيها توفي محمد بن أبي عبد الله بن عبد الأعلى المعروف بابن كناسة وهوابن أخت إبراهيم بن أدهم وكان عالمًا بالعربية والشعر وأيام الناس‏.‏

وفيها توفي يحيى بن زياد أبوزكرياء الفراء النحوي الكوفي وأبوغامن الموصلي وزيد بن علي بن

  حوادث سنة ثمان ومائتين

في هذه السنة سار الحسن بن الحسين بن مصعب من خراسان إلى كرمان فعصى بها فسار إليه أحمد بن أبي خالد فأخذه وأتى به المأمون فعفا عنه‏.‏

وفيها استقضي إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة وفيها عزل محمد بن عبد الرحمن المخزومي عن قضاء عسكر المهدي ووليه بشر بن الوليد الكندي فقال بعضهم‏:‏ يا أيها الرجل الموحد ربه قاضيك بشر بن الوليد حمار ينفي شهادة من يدين بما به نطق الكتاب وجاءت الآثار ويعد عدلًا من يقول بأنه شيخ يحيط بجسمه الأقطار وفيها مات موسى بن الأمين والفضل بن الربيع في ذي العقدة وحج بالناس صالح بن الرشيد‏.‏

وفيها هلك أليسع بن أبي القاسم صاحب سجلماسة فولى أهلها على أنفسهم أخاه المنتصر بن أبي القاسم واسول المعروف بمدرار وقد تقدم ذكرهم‏.‏وفيها سير عبد الرحمن بن الحكم صاحب الأندلس جيشًا إلى بلاد المشركين واستعمل عليه عبد الكريم بن عبد الواحد بن مغيث فساروا إلى ألبة والقلاع فنهبوا بلاد ألبة وأحرقوها وحصروا عدة من الحصون ففتحوا بعضها وصالحه بعضها على مال وإطلاق الأسرى من المسلمين فغمن أموالًا جليلة القدر واستنفذوا من أسارى المسلمين وسبيهم كثيرا فكان ذلك في جمادى الآخرة وعادوا سالمين‏.‏

وفيها توفي عبد الله بن عبد الرحمن الأموي المعروف بالبلنسي صاحب بلنسية من الأندلس وقد تقدم من أخباره مع أخبار أبن أخيه الحكم ابن هشام كثير‏.‏

وفيها توفي عبد الله بن أبي بكر بن حبيب السهمي الباهلي ويونس ابن محمد المؤد والقاسم ابن الرشيد وسعيد بن تمام بالبصرة وعبد الله بن جعفر بن سليمان بن علي والحسن بن موسى الأشيب وقد كان سار ليتولى قضاء طبرستان فمات بالري‏.‏

وتوفي علي بن المبارك الأحمر النحوي صاحب الكسائي وقيل توفي في سنة ست وثمانين ومائة‏.‏

  حوادث سنة تسع ومائتين

  ذكر الصفر بنصر بن شبث

وفي هذه السنة حصر عبد الله بن طاهر نصر بن شبث بكيسوم وضيق عليه حتى طلب الأمان فقال محمد بن جعفر العامري‏:‏ قال المأمون لثمامة بن أشرس‏:‏ ألا تدلني على رجل من أهل الجزيرة له عقل وبيان يؤدي عني ما أوجبه إلى نصر قال‏:‏ بلى يا أمير المؤمنين محمد بن جعفر العامري فأمر بإحضاري فحضرت فكلمني بكلام أمرني أن أبلغه نصرا وهوبكفر عزون بسروج فأبلغته نصرا فأذعن وشرط شروطًا منها أن لا يطأ بساطه فلم يجبه المأمون إلى ذلك وقال‏:‏ ما باله ينفر مني قلت‏:‏ لجرمه وما تقدم من ذنبه‏.‏

قال‏:‏ أفتراه أعظم جرمًا من الفضل بن الربيع ومن عيسى بن محمد ابن أبي خالد أما الفضل فأخذ قوادي وأموالي وسلاحي وجميع ما أوصى به الرشيد لي فذهب به إلى محمد أخي وتركني بمروفريدًا وحيدا وسلمني وأفسد عليّ أخي حتى كان من أمره ما كان فكان أشد عليّ من كل شيء‏.‏

وأما عيسى بن أبي خالد فإنه طرد خليفتي من مدينتي ومدينة آبائي وذهب بخراجي وفيئي وأخرب داري وأقعد إبراهيم خليفة دوني‏.‏

قال قلت‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ أتأذن لي في الكلام قال‏:‏ تكلم‏.‏

قال قلت‏:‏ أما الفضل بن الربيع فإنه صنيعكم ومولاكم وحال سلفه حالهم فترجع إليه بضروب كلها تردك إليه‏.‏

وأما نصر فرجل لم يكن له يد قط فيحتمل كهؤلاء لمن مضى من سلفه وإمنا كانوا من جند بني أمية‏.‏

قال‏:‏ إنه كما تقول ولست أقلع عنه حتى يطأ بساطي‏.‏

قال‏:‏ فأبلغت نصرًا ذلك فصاح بالخيل فجالت إليه فقال‏:‏ ويلي عليه هولم يقوعلى أربعمائة ضفدع تحت جناحه يعني الزط يقوي علي بحلبة العرب فجاده عبد الله بن طاهر القتال وضيق عليه فطلب الأمان فأجابه إليه وتحول من معسكره إلى الرقة وصار إلى عبد الله وكانت مدة حصاره ومحاربته خمس سنين فلما خرج إليه أخرب عبد الله حصن كيسوم وسير نصرًا إلى المأمون وفصل إليه في صفر سنة عشر ومائتين‏.‏

  ذكر عدة حوادث

وفيها ولى المأمون علي بن صدقة المعروف بزريق على أرمينية وأذربيجان وأمره بمحاربة بابك وأقام بأمره أحمد بن الجنيد الإسكافي فأسره بابك فولى إبراهيم بن الليث بن الفضل أذربيجان‏.‏

وحج بالناس صالح بن العباس بن محمد بن علي‏.‏

وفيها خرج منصور بن نصير بإفريقية عن طاعة الأمير زيادة الله‏.‏

وكان منه ما ذكر ناه سنة اثنتين ومائتين‏.‏

وفيها توفي أبوعبيدة معمر بن المثنى اللغوي وقيل سنة عشر وكان يميل إلى مقالة الخوارج وكان عمره ثلاثًا وتسعين سنة وقيل مات سنة ثلاث عشرة وعمره ثمان وتسعون سنة‏.‏

وفيها توفي يعلي بن عبيد الطيالسي أبويوسف والفضل بن عبد الحميد الموصلي المحدث‏.‏

  حوادث سنة عشر ومائتين

  ذكر ظفر المأمون بابن عائشة

وفيها ظفر المأمون بإبراهيم بن محمد بن عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام المعروف بابن عائشة ومحمد بن إبراهيم الإفريقي ومالك بن شاهي ومن كان معهم ممن كان يسعى في البيعة لإبراهيم بن المهدي‏.‏

وكان الذي أطلعه عليهم وعلى صنيعهم عمران القطربلي وكانوا اتعدوا أن يقطعوا الجسر إذا خرج الجند يتلقون نصر بن شبث فمن عليهم عمران فاخذوا في صفر ودخل نصر بن شبث بغداد ولم يلقه أحد من الجند فأخذ ابن عائشة فأقيم على باب المأمون ثلاثة أيام في الشمس ثم ضربه بالسياط وحبسه وضرب مالك بن شاهي وأصحابه فكتبوا للمأمون بأسماء من دخل معهم في هذا الأمر من سائر الناس فلم يعرض لهم المأمون وقال‏:‏ لا آمن أن يكون هؤلاء قذفوا قومًا برآء‏.‏

ثم إنه قتل ابن عائشة وابن شاهي ورجلين من أصحابهما وكان سبب قتلهم أن المأمون بلغن أنهم يريدون أن ينقبوا السجن وكانوا قبل ذلك بيوم قد سدوا باب السجن فلم يدعوا أحدًا يدخل عليهم فلما بلغ المأمون خبرهم ركب إليهم بنفسه فأخذهم فقتلهم صبرا وصلب ابن عائشة وهوأول عباسي صلب في الإسلام ثم أنزل وكفن وصلى عليه ودفن في مقابر قريش‏.‏

  ذكر الظفر بإبراهيم بن المهدي

وفي هذه السنة في ربيع الأول أخذ إبراهيم بن المهدي وهومتنقب مع امرأتين وهوفي زي امرأة أخذه حارس أسود ليلا فقال‏:‏ من أين أنتن وأين تردن هذا الوقت فأعطاه إبراهيم خاتم ياقوت كان في يده له قدر عظيم ليخليهن ولا يسألهن فلما نظر الحارس إلى الخاتم استرابهن وقال‏:‏ خاتم رجل له شأن ورفعهن إلى صاحب المسلحة فأمرهن أن يسفرن فامتنع إبراهيم فجذبه فبدت لحيته فدفعه إلى صاحب الجسر فعرفه فذهب به إلى باب المأمون فلما كان الغد أقعد إبراهيم في دار المأمون والمقنعة التي تقنع بها في عنقه والملحفة على صدره ليراه بنوهاشم والناس ويعلموا كيف أخذ ثم حوله إلى أحمد بن أبي خالد فحبسه عنده ثم أخرجه معه لما سار إلى فم الصلح إلى الحسن بن سهل فشفع فيه الحسن وقيل ابنته بوران‏.‏

وقيل إن إبراهيم لما أخذ حمل إلى دار أبي إسحاق المعتصم وكان المعتصم عند المأمون فحمل رديفًا لفرح التركي فلما دخل على المأمون قال‏:‏ هيه يا إبراهيم‏!‏ فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ ولي الثأر محكم في القصاص والعفوأقرب للتقوى ومن تناوله الاغترار بما مد له من أسباب الشقاء أمكن عادية الدهر من نفسه وقد جعلك الله فوق كل ذي ذنب كما جعل كل ذي ذنب دونك فإن تعاقب فبحقك وإن تعف فبفضلك‏.‏

قال‏:‏ بل أعفو يا إبراهيم فكبر وسجد وقيل بل كتب إبراهيم هذا الكلام إلى المأمون وهومتخف فوقع المأمون في رقعته‏:‏ القدرة تذهب الحفيظة والندم توبة وبينهما عفوالله عز وجل وهوأكبر ما يسأله فقال إبراهيم يمدح المأمون‏:‏ يا خير من رقلت يمانية به بعد النبي آيس أوطامع وأبر من عبد الإله على التقى غيبًا وأقوله بحق صادع عسل الفوارع ما أطعت فإن تهج فالصاب يمزج بالسمام الناقع ملئت قلوب الناس منك مخافة وتبيت تكلؤهم بقلب خاشع بأبي وأمي فدية وأبيهما من كل معضلة وذنب واقع ما ألين الكنف الذي بواتني وطنًا وأمرع ربعه للراتع للصالحات أخًا جعلت وللتقي وأبًا رؤوفًا للفقير القانع نفسي فداؤك إذ تضل معاذري وألوذ منك بفضل حلم واسع أملًا لفضلك والفواضل شيمة رفعت بناءك للمحل اليافع فبذلت أفضل ما يضيق ببذله وسع النفوس من الفعال البارع وعفوت عمن لم يكن عن مثله عفوولم يشفع إليك بشافع إلا العلوعن العقوبة بعدما ظفرت يداك بمستكين خاضع فرجمت أطفالًا كأفراخ القطا وعويل عانسة كقوس النازع وعطفت آمرة علي كما وهى بعد انهياض الوثي عظم الظالع الله يعلم ما أقول كأنها جهد الألية من حنيف راكع رد الحياة علي بعد ذهابها ورع الإمام القادر المتواضع أحياك من ولاك أفضل مدة ورمى عدوك في الوتين بقاطع كم من يد لك لم تحدثني بها نفسي إذا آلت إلي مطامعي أسديتها عفوًا إلى هنيئة وشكرت مصطنعًا لأكرم صانع إلا يسيرًا عندما أوليتني وهوالكبير لدي غير الضائع إن أنت جدت بها علي تكن لها أهلًا وإن تمنع فأكرم مانع إن الذي قسم الخلافة حازها من صلب آدم للإمام السابع جمع القلوب عليك جامع أمرها وحوى رداؤك كل خير جامع فذكر أن المأمون قال حين أنشده هذه القصيدة‏:‏ أقول كما قال يوسف لإخوته‏:‏ ‏{‏لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 92‏]‏‏.‏

  ذكر بناء المأمون ببوران

وفي هذه السنة بنى المأمون ببوران ابنه الحسن بن سهل بن رمضان وكان المأمون سار من بغداد إلى فم الصلح إلى معسكر الحسن بن سهل فنزله وزفت إليه بوران فلما دخل إليه المأمون كان عندها حمدونة بنت الرشيد وأم جعفر زبيدة أم الأمين وجدتها أم الفضل والحسن بن سهل‏.‏

فلما دخل نثرت عليه جدتها ألف لؤلؤة من أنفس ما يكون فأمر المأمون بجمعه فجمع فأعطاه بوران وقال‏:‏ سلي حوائجك فأمسكت فقالت جدتها‏:‏ سلي سيدك فقد أمرك فسألته الرضى عن إبراهيم بن المهدي فقال‏:‏ قد فعلت وسألته الإذن لأم جعفر في الحج فأذن لها وألبستها أم جعفر البدلة اللؤلؤية الأموية وابتنى بها في ليلته وأوقد في تلك الليلة شمعة عنبر فيها أربعون منًا‏.‏

وأقام المأمون عند الحسن سبعة عشر يومًا يعد له كل يوم ولجميع من معه ما يحتاج إليه وخلع الحسن على القواد على مراتبهم وحملهم ووصلهم وكان مبلغ ما لزمه خمسين ألف ألف درهم وكتب الحسن أسماء ضياعه في رقاع ونثرها على القواد فمن وقعت بيده رقعة منها فيها اسم ضيعة بعث فتسلمها‏.‏

  ذكر مسير عبد الله بن طاهر إلى مصر

في هذه السنة سار عبد الله بن طاهر إلى مصر وافتتحها واستأمن إليه عبيد الله بن وكان سبب مسيره أن عبيد الله قد كان تغلب على مصر وخلع الطاعة وخرج من الأندلس فتغلبوا على الاسكندرية واشتغل عبد الله بن طاهر عنهم بمحاربة نصر بن شبث فلما فرغ منه سار نحومصر فلما قرب منها على مرحلة قدم قائدًا من قواده إليها لينظر موضعًا يعسكر فيه وكان ابن السري قد خندق على مصر خندقا فاتصل الخبر به من وصول القائد إلى ما قرب منه فخرج إليه في أصحابه فالتقى هووالقائد فاقتتلوا قتالًا شديدا وكان القائد في قلة فجال أصحابه وسير بريدًا إلى عبد الله بن طاهر بخبره فحمل عبد الله الرجال على البغال وجنبوا الخيل وأسرعوا السير فلحقوا بالقائد وهويقاتل ابن السري فلما رأى ابن السري ذلك لم يصبر بين أيديهم وانهزم عنهم وتساقط أكثر أصحابه في الخندق فمن هلك منهم بسقوط بعضهم على بعض كان أكثر من قتله الجند بالسيف‏.‏

ودخل ابن السري مصر وأغلق الباب عليه وعلى أصحابه وحاصره عبد الله فلم يعد ابن الرسي يخرج غليه وأنفذ إليه ألف وصيف ووصيفة مع كل واحد منهم ألف دينار فسيرهم ليلا فردهم ابن طاهر وكتب إليه‏:‏ لوقبلت هديتك نهارًا لقبلتها ليلًا ‏{‏بل أنتم بهديتكم تفرحون ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون‏}‏ ‏[‏النمل‏:‏ 36 - 37‏]‏‏.‏

قال‏:‏ فحينئذ طلب الأمان‏.‏

وقيل‏:‏ كان سنة إحدى عشرة‏.‏

وذكر أحمد بن حفص بن أبي الشماس قال‏:‏ خرجنا مع عبد الله بن طاهر إلى مصر حتى إذا كنا بين الرملة ودمشق إذ نحن بأعرابي قد اعترض فإذا شيخ على بعير له فسلم علينا فرددنا عليه السلام قال‏:‏ وكنت أنا وإسحاق بن إبراهيم الرافقي وإسحاق بن أبي ربعي ونحن نساير الأمير وكنا أفره منه دابة وأجود كسوة قال‏:‏ فجعل الأعرابي ينظر إلى وجوهنا قال فقلت‏:‏ يا شيخ قد ألححت في النظر أعرفت شيئًا أنكرته قال‏:‏ لا والله ما عرفتكم قبل يومي هذا ولكني رجل حسن الفراسة في الناس قال‏:‏ فأشرت إلى إسحاق بن أبي ربعي وقلت‏:‏ ما تقول في هذا فقال‏:‏ أرى كاتبًا داهي الكتابة بين عليه وتأديب العراق منير له حركات قد يشاهدن أنه عليم بتسيط الخراج بصير ونظر إلى إسحاق بن إبراهيم الرافقي فقال‏:‏ ومظهر نسك ما عليه ضميره يحب الهدايا بالرجال مكور إخال به جبنًا وبخلًا وشيمة تخبر عنه أنه لوزير ثم نظر إلي وقال‏:‏ وهذا نديم للأمير ومؤنس يكون له بالقرب منه سرور ثم نظر إلى الأمير وقال‏:‏ وهذا الأمير المرتجى سيب كفه فما إن له في العالمين نظير عليه رداء من جمال وهيبة ووجه بإدراك النجاح بشير لقد عظم الإسلام منه يدي يد فقد عاش معروف ومات نكير إلا إمنا عبد الإله ابن طاهر لنا والد بر بنا وأمير قال‏:‏ فوقع ذلك من عبد الله أحسن موقع وأعجبه وأمر الشيخ بخمسمائة دينار وأمره أن يصحبه‏.‏

  ذكر فتح عبد الله الإسكندرية

وفي هذه السنة أخرج عبد الله من كان تغلب على الإسكندرية من أهل الأندلس بأمان وكانوا قد أقلوا في مراكب من الأندلس في جمع والناس في فتنة بن السري وغيره فأرسلوا بالإسكندرية ورئيسهم يدعى أبا حفص فلم يوالوا بها حتى قدم ابن طاهر فأرسل يؤذنهم بالحرب إن هم لم يدخلوا في الطاعة فأجابوه وسألوه الأمان على أن يرتحلوا عنها إلى بعض أطراف الروم التي ليست من بلاد الإسلام فأعطاهم الأمان على ذلك فرحلوا ونزلوا بجزيرة قال يونس بن عبد الأعلى‏:‏ أقبل إلينا فتى حدث من المشرق يعني ابن طاهر والدنيا عندنا مفتونة قد غلب على كل ناحية من بلادنا غالب والناس في بلاء فأصلح الدنيا وأمن البرئ وأخاف السقيم واستوسقت له الرعية بالطاعة‏.‏

  ذكر خلع أهل قم

في هذه السنة خلع أهل قم المأمون ومنعوا الخراج فكان سببه أن المأمون لما سار من خراسان إلى العراق أقام بالري عدة أيام واسقط عنهم شيئًا من خارجهم فطمع أهل قم أن يصنع بهم كذلك فكتبوا إليه يسألونه الحطيطة وكان خراجهم ألفي ألف درهم فلم يبهم المأمون إلى ما سألوا فامتنعوا من أدائه فوجه المأمون إليهم علي بن هشام وعجيف بن عنبسة فحارباهم فظفرا بهم وقتل يحيى بن عمران وهدم سور المدينة وجباها على سبعة آلاف ألف ردهم وكانوا يتظلمون من ألفي ألف‏.‏

  ذكر ما كان بالأندلس

من الحوادث وفي هذه السنة سير عبد الرحمن بن الحكم سرية كبيرة إلى بلاد الفرنج واستعمل عليها عبيد اله المعروف بابن البلنسي فسار ودخل بلاد العدو وتردد فيها بالغارات والسبي والقتل والأسر ولقي الجيوش الأعداء في ربيع الأول فاقتتلوا فانهزم المشركون وكثر القتل فيهم وكان فتحًا عظيمًا‏.‏

وفيها افتتح عسكر سيره عبد الرحمن أيضًا حصن القلعة من أرض العدو وتردد فيها بالغارات منتصف شهر رمضان‏.‏

وفيها أمر عبد الرحمن ببناء المسجد الجامع بجيان‏.‏

وفيها أخذ عبد الرحمن رهائن أبي الشماخ محمد بن إبراهيم مقدم اليمانية بتدمير ليسكن الفتنة بين المضرية واليمانية فلم ينزجروا ودامت الفتنة فلما رأى عبد الرحمن ذلك أمر العامل بتدمير أن ينقل منها ويجعل مرسية منزلًا ينزله العمال ففعل ذلك وصارت مرسية هي قاعدة تلك البلاد من ذلك الوقت ودامت الفتنة بينهم إلى سنة ثلاث عشرة ومائتين فسير عبد الرحمن إليهم جيشا فأذعن أبوالشماخ وأطاع عبد الرحمن وسار إليه وصار من جملة قواده وأصحابه وانقطعت الفتنة من ناحية تدمير‏.‏

  ذكر عدة حوادث

مات في هذه السنة شهريار بن شروين صاحب جبال طبرستان وصار في موضعه ابنه وحج بالناس في هذه السنة صالح بن العباس بن محمد وهووالي مكة‏.‏

وفيها توفيت علية بنت المهدي مولدها سنة ستين ومائة وكان زوجها موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس فولدت منه‏.‏

  حوادث سنة إحدى عشرة ومائتين

في هذه السنة أدخل عبيد الله بن السري بغداد وأنزل مدينة المنصور وأقام ابن طاهر بمصر واليًا عليها وعلى الشام والجزيرة وقال للمأمون بعض إخوته إن عبد الله بن طاهر يميل إلى ولد علي بن أبي طالب وكذا كان أبوه قبله فأنكر المأمون ذلك فعاوده أخوه فوضع المأمون رجلًا قال له‏:‏ امش في هيئة القراء والنساك إلى مصر فادع جماعة من كبرائها إلى القاسم بن إبراهيم بن طباطبا ثم صار إلى عبد الله بن طاهر غادعه إليه واذكر له مناقبه ورغبه فيه وابحث عن باطنه وأتني بما تسمع‏.‏

ففعل الرجل ذلك فاستجاب له جماعة من أعيانه فقعد بباب عبد الله بن طاهر فلما ركب قام إليه فأعطاه رقعة فلما عاد إلى منزله أحضره قال‏:‏ قد فهمت ما في رقعتك فهات ما عندك‏!‏ فقال‏:‏ ولي أمانك قال‏:‏ نعم‏!‏ فدعاه إلى القاسم وذكر فضله وزهده وعلمه‏.‏

فقال عبد الله‏:‏ أتنصفني قال‏:‏ نعم‏!‏ قال‏:‏ هل يجب شكر الله على العباد قال‏:‏ نعم‏!‏ قال‏:‏ فتجيء إلي وأنا في هذه الحال لي خاتم في المشرق جائز وخاتم في المغرب جائز وفيما بينهما أمري مطاع ثم ما ألتفت عن يميني ولا شمالي وورائي وأمامي إلا رأيت نعمة لرجل أنعمها علي ومنة ختم بها رقبتي ويدًا لائحة بيضاء ابتدأني بها تفضلًا وكرما تدعوني إلى أن أكفر بهذه النعم وهذا الإحسان وتقول‏:‏ اغدر بمن كان أولى لهذا وأحرى واسع في إزالة خيط عنقه وسفك دمه تراك لودعوتني إلى الجنة عيانًا أكان الله يحب أن أغدر به وأكفر إحسانه وأنكث بيعته فسكت الرجل فقال له عبد الله‏:‏ ما أخاف عليك إلا نفسك فارحل عن هذا البلد فإن السلطان الأعظم إن بلغه ذلك كنت الجاني على نفسك ونفس غيرك‏.‏

فلما أيس منه جاء إلى المأمون فأخبره فاستبشر وقال‏:‏ ذلك غرس يدي وألف أدبي وترب تلقيحي ولم يظهر ذلك ولا علمه ابن طاهر إلا بعد موت المأمون وكان هذا القائل للمأمون المعتصم فإنه كان منحرفًا عن عبد الله‏.‏

  ذكر قتل السيد بن أنس

وفيها قتل السيد بن أنس الأزدي أمير الموصل وسبب قتله أن زريق ابن علي بن صدقة الإزدي الموصلي كان قد تغلب على الجبال ما بين الموصل وأذربيجان وجرى بينه وبين السيد حروب كثيرة فلما كان هذه السنة جمع زريق جمعًا كثيرا قيل‏:‏ كانوا أربعين ألفا وسيرهم إلى الموصل لحرب السيد فخرج إليهم في أربعة آلاف فالتقوا بسوق الأحد فحين رآهم السيد حمل عليهم وحده وهذه كانت عادته أن يحمل وحده بنفسه وحمل عليه رجل من أصحاب زريق فاقتتلا فقتل كل واحد منهما صاحبه لم يقتل غيرهما‏.‏

وكان هذا الرجل قد حلف بالطلاق إن رأى السيد أن يحمل عليه فيقتله أويقتل دونه لأنه كان له على زريق كل سنة مائة ألف درهم فقيل له‏:‏ بأي سبب تأخذ هذا المال فقال‏:‏ لأنني متى رأيت السيد قتلته وحلف على ذلك فوفى به‏.‏

فلما بلغ المأمون قتله غضب لذلك وولى محمد بن حميد الطوسي حرب زريق وبابك الخرمي واستعمله على الموصل‏.‏

  ذكر الفتنة بين عامر ومنصور وقتل منصور بإفريقية

وفي هذه السنة وقع الاختلاف بين عامر بن نافع وبين منصور بن نصر بإفريقية وسبب ذلك أن منصورًا كان كثير الحسد‏.‏

وسار بهم من تونس إلى منصور وهوبقصره بطنبذ فحصره حتى فني ما كان عنده من الماء فراسله منصور وطلب منه الأمان على أن يركب سفينة ويتوجه إلى المشرق فأجابه إلى ذلك فخرج منصور أول الليل مختفيًا يريد الأربس فلما أصبح عامر ولم ير لمنصور أثرًا طلبه حتى أدركه فاقتتلوا وانهزم منصور ودخل الأربس فتحصن بها وحصره عامر ونصب عليه منجنيقًا‏.‏

فلما اشتد الحصار على أهل الأربس قالوا لمنصور‏:‏ إما أن تخرج عنا وإلا سلمناك إلى عامر فقد أضر بنا الحصار فاستمهلهم حتى يصلح أمره فأمهلوه وأرسل إلى عبد السلام بن المفرج وهومن قواد الجيش يسأله الاجتماع به فأتاه فكلمه منصور من فوق السور واعتذر وطلب منه أن يأخذ له أمانًا من عامر حتى يسير إلى المشرق فأجابه عبد السلام إلى ذلك واستعطف له عامرا فأمنه على أن يسير إلى تونس ويأخذ أهله وحاشيته ويسير بهم إلى الشرق‏.‏

فخرج إليه فسيره مع خيل إلى تونس وأرم رسوله سرًا أن يسير به إلى مدينة جربة ويسجنه بها ففعل ذلك وسجن معه أخاه حمدون‏.‏

فلما علم عبد السلام ذلك عظم عليه وكتب عامر إلى أخيه وهوعامله على جربة يأمره بقتل

منصور وأخيه حمدون ولا يراجع فيهما فحضر عندهما وأقرأهما الكتاب فطلب منصور منه دواتة وقرطاسًا ليكتب وصيته فأمر له بذلك فلم يقدر أن يكتب وقال‏:‏ فاز المقتول بخير الدنيا والآخرة ثم قتلهما وبعث برأسيهما إلى أخيه واستقامت الأمور لعامر بن نافع ورجع عبد السلام بن المفرج إلى مدينة باجه وبقي عامر بن نافع بمدينة تونس وتوفي سلخ ربيع الآخر سنة أربع عشرة ومائتين فلما وصل خبره إلى زيادة اله قال‏:‏ الآن وضعت الحرب أوزارهأن وأرسل بنوه إلى زيادة الله يطلبون الأمان فأمنهم وأحسن إليهم‏.‏

  ذكر عدة حوادث

وفيها قدم عبد الله بن طاهر مدينة السلام فتلقاه العباس بن المأمون والمعتصم وسائر الناس‏.‏

وفيها مات موسى بن حفص فولي ابنه طبرستان وولي حاجب ن صالح السند فهزمه بشر بن داود فانحاز إلى كرمان‏.‏

وفيها أمر المأمون مناديا فنادى‏:‏ برئت الذمة ممن ذكر معاوية بخير أوفضله على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه ولم‏.‏

وفيها خرج بأعمال تاكرنا من الأندلس طوريل فقصد جماعة من الجند قد نزلوا ببعض قرى تاكرنا ممتازين فقتلهم واخذ دوابهم وسلاحهم وما معهم فسار إليه عاملها وفيها مات الأخفش النحوي البصري‏.‏

وفيها مات طلق بن غنام النخعي وأحمد بن إسحاق الحضرمي وعبد الرحيم بن عبد الرحمن بن محمد المحاربي‏.‏

وفيها توفي عبد الرزاق بن همام الصنعاني المحدث وهومن مشايخ أحمد بن حنبل وكان يتشيع‏.‏

وفيها توفي عبد الله بن داود الخربي البصري وكان يسكن الخريبة بالبصرة فنسب إليها‏.‏